أحدث المنتجات والوصفات

الثلاثاء، 27 مايو 2025

مفهوم التطور البيولوجي في اللاماركية

مفهوم التطور البيولوجي في اللاماركية

ما هو مفهوم التطور البيولوجي في اللاماركية؟ وماهية مصطلح اللاماركية!

يُطلق مصطلح اللاماركية Lamarckism على نظرية عالم البيولوجيا الفرنسي «لامارك» في التطور العضوي، وهي كما ذكرنا أول نظرية عامة في التطور خلال العصر الحديث.

وكان «لامارك» قد بدأ حياته العلمية كباحث في علم النبات، ثم لم يلبث أن أصبح باحثًا في علم الحيوان، خصوصًا علم التشريح وعلم التقسيم.

 نظرية لامارك عن مفهوم التطور البيولوجي

وفي عام 1794 – وهو العام الذي عُين فيه أستاذًا لعلم الحيوانات اللافقرية بأكاديمية العلوم الفرنسية – شرع في نسج نظريته، وزادها تفصيلاً في أعماله الهامة المتتالية، وهي: 

«نظام الحيوانات اللافقرية» (1801)، «بحوث في تنظيم الأجسام الحية» (1802)، «فلسفة الحيوان» (في جزأين: 1809 & 1830)، «التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقرية» (في سبعة أجزاء: من 1815 إلى 1822).

لكن أفكار «لامارك» نادرًا ما لقيت استحسان معاصريه، بل لقد عانى بسببها الكثير وأصبح منبوذًا من المجتمع، ليس فقط لأن الشعور العام في عصره كان ضد القول بالتطور، وإنما أيضًا بسبب عدم قابلية بعض أفكاره للتطبيق. 

وعندما مات في الخامسة والثمانين من عمره – بعد أن كف بصره وأصبح في فقرٍ وعوز – لقي إهمالاً من الجميع، فدُفن في مقابر الفقراء دون أن يُعرف مكانه على وجه الدقة.

إيجاز نظرية «لامارك» في ثلاث نقاط

1 – نظام الطبيعة System of Nature

تبنى «لامارك» نظامًا للطبيعة يمكن أن يُوضع في إطارٍ إلهي؛ فلقد اعتبر أن الطبيعة – وهي المجموع الكلي الشامل للكائنات المختلفة – ليست ذاتية التفسير، وإنما هي من فعل «خالقٍ سام»، أبدعها وشرع لها قوانينها الحاكمة. 

ورغم ما نلحظه من تغيرات داخلية، إلا أنها في مجملها ليست قابلة للتغير، بل يجب أن ننظر إليها ككلٍ واحدٍ منظَّم بأجزائه، وذلك لغرضٍ لا يعلمه إلا خالقها وحده. 

مَثلُ الطبيعة في ذلك كمَثلِ الطفل؛ يحوي أجزاءً متغيرة دومًا، لكنه يظل الشخص بعينه عبر حياته بأكملها؛ أو كمَثلِ شجرة تنمو وتتفرع، وتفقد فروعًا لتحل محلها فروعٌ أخرى، لكنها تظل الشجرة بعينها رغم ما تعانيه دومًا من تغيرات.

والعلاقة بين هذا الكل الواحد – أي الطبيعة – وبين خالقه هي كعلاقة الساعة بصانعها؛ ليست علاقة تدخل ومباشرة، وإنما علاقة صُنع وتميز، لذا لابد وأن تنطوي الطبيعة على قوى مُنتجة لحوادثها وظواهرها، وهي القوى التي يفسرها العلم بمصطلحات مادية ميكانيكية.

ولاشك أن هذا النظام الذي بسطه «لامارك» يستلزم التطرق بالبحث إلى مجالات الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وعلم الظواهر الجوية Meteorology والأحياء، ولقد حاول أن يفعل ذلك في بعض مؤلفاته، لكن تركيزه الأكبر انصب على دراسة الكائنات الحية، وهو العلم الذي أطلق عليه عام 1802 اسم «علم البيولوجيا» Biology. 

2 –  التطور والقوى المكملة في الطبيعة

Evolution and the Perfecting Powers in Nature

انطلق «لامارك» في صياغته لفرض التطور عبر خطوط فكرية متنوعة؛ فلقد أقنعته دراساته البيولوجية – من جهة – بأن الأرض مرَّت تدريجيًا بكثير من التغيرات عبر أزمنة طويلة، لاسيما في سماتها السطحية، كما أن ملاحظاته للحفريات Fossils – من جهة أخرى – دعَّمت لديه القول بأن الحياة الحيوانية بدأت أيضًا منذ أزمنة جيولوجية سحيقة، وعانت كذلك تغييرات تدريجية أدت إلى ظهور أنواع جديدة، أما الثبات الظاهر للأنواع فيرجع إلى محدودية النظرة الزمانية للإنسان. 

وفضلاً عن ذلك نظر «لامارك» إلى الكائنات العضوية كأجسام فيزيائية ذات تنظيم دقيق؛ فكل واقعة أو ظاهرة ملاحظة في أي جسم حي هي – على العكس مما يقول به المذهب الحيوي Vitalism – واقعة أو ظاهرة فيزيائية، ونتاج لتركيب عضوي. ويعني ذلك أن نسلاً تلقائيًا من التركيبات العضوية لكل من النباتات والحيوانات قد انبثق عبر خطين مستقلين، يمثلان نمطين مميزين ومختلفين في تنظيم المواد الكيميائية غير الحية.

ولما كان تاريخ الكائنات الحية على الأرض يُفصح عن زيادة ثابتة في تعقيد تركيباتها العضوية، وهي العملية التي تكتمل بها الكائنات، فقد أنتجت الطبيعة كل أنواع الحيوانات في تتابع، بداية من الأبسط واللامكتمل، ووصولاً إلى الأعقد والأكثر اكتمالاً وهو الإنسان، ومن ثم يُصبح الإنسان معيارًا للحكم على اكتمال أو انحطاط التركيبات العضوية الحيوانية الأخرى. 

ويُرجع «لامارك» عملية التدرج هذه في الإنتاج الحيواني إلى قوى مُكملة متحدة بالطبيعة، ولعل المصادرة على هذه القوى المُكملة هي أهم سمات مذهبه التطوري التي تبتعد به عن مذهب «داروين».

3 – ميكانيزم التطور اللاماركي Mechanism of Lamarckian Evolution

 يذهب «لامارك» إلى أن البيئة Environment لو كانت غير متغيرة لما خرج إنتاج القوى المكملة للطبيعة عن متوالية خطية وبسيطة من الكائنات العضوية. 

لكن البيئة متغيرة دائمًا، ومن ثم لابد وأن تتوالد أجيالٌ جديدة تخرج في شكلها عن الممر الخطي البسيط، ليأخذ التطور شكل نموذج متفرع تشهد بوجوده الأنواع المختلفة من البناتات والحيوانات. 

ويكمن الميكانيزم الذي يتشكَّل به النموذج المتفرع في مجموعةٍ من العوامل السببية تؤدي إلى تكيف الكائنات الحيــة مع البيئة، وذلك انطلاقًا من موائع جسدية Bodily fluids تسري فــي أعضاء الكائنات الحية وتدفعها إلى التطور بما يحفظ لها البقاء في البيئة المتغيرة.

وعلى حين تتأقلم الكائنات الأولية – التي لا تتمتع بملكة شعور – مع البيئة بطريق آلية، فإن الحال يختلف مع الكائنات العليا التي تشعر بالرغبة أو الحاجة مع تغير البيئة، إذ تؤدي الحاجة إلى إثارة مشاعرها الداخلية، الأمر الذي يدفع الموائع الجسدية إلى التحرك في اتجاه العضو الذي به يكون إشباع الحاجة، فإذا لم يكن العضو موجودًا فإن هذه الموائع تعمل بالتدريج على استيلاده مع استمرار الحاجة وإلحاحها، فإذا تواجد العضو عملت على تحسينه ونقله إلى الأجيال التالية. 

وتمثل وراثة الصفات المكتسبة Inheritance of acquired characters جوهــر نظرية «لامـارك» في التطور العضوي، بل وأهم مواضع انتقاد نظريته وتجاوزها علميًا.

أمثلة لامارك للاستشهاد على نظريته في التطور البيولوجي

وقبل أن نعرض لأوجه النقد التي وُجهت للنظرية، نذكر ثلاثة أمثلة من تلك التي استشهد بها لتأكيد وجهة نظره:

  • يتعلق المثال الأول بالطيور؛ فلقد كانت الطيور في العصور السابقة تعيش على اليابسة، وإذا احتاج احد هذه الطيور للسير في الماء بحثًا عن غذائه فإنه يفرد أصابعه عندما يضرب بها الماء. 

وهذا الشد المستمر للجلد عند قاعدة أصابع الطير مع تحريك عضلات الأرجل يؤدي إلى توارد مزيد من الدم إلى الأصابع، ونتيجة لذلك ازداد حجم الجلد عند قاعدة هذه الأصابع فتكوَّن الغشاء Web الذي نجده الآن بين أصابع البط والأوز وغيرهما من الطيور التي تعوم في الماء.

  • أيضًا افترض «لامارك» أن أسلاف الزرافة كانت قصيرة الرقبة، ولكونها بدأت تتغذى على أوراق وأغصان الأشجار كان وجود عُنق طويل مفيدًا للبقاء على قيد الحياة، وقد أدى مد الرقبة إلى زيادة طولها في الجيل الواحد ولو زيادة طفيفة جدًا، ثم مرت هذه الصفة في الذرية التي أصبحت رقابها أطول، وبتوالى الآلاف العديدة من الأجيال وصلنا إلى الطول الحالي لرقبة الزرافة.

  • وكمثال على ضمور العضو إذا ما أُهمل استخدامه يستشهد «لامارك» بحالة الثعبان، ذلك أن استمرار زحف الحيوان خلال الحشائش أدى – في نظر «لامارك» - إلى ازدياد طول الجسم، وذلك لكي يتمكن من المرور من خلال الفتحات الضيقة. 

وطول الأرجل في هذه الحالة يعوق عملية الزحف، إذ لابد من ثنيها إلى الخلف وعدم استعمالها، كما أن الأرجل القصيرة تصبح أيضًا عديمة الفائدة، إذ أنها لا تقوى على حمل جسم طويل كجسم الثعبان، ولذا اعتقد «لامارك» أن ضمور الأرجل واختفائها في النهاية جاء نتيجة لعدم حاجة الثعبان إليها.

وعلى الرغم من شمولية وجهة نظر «لامارك»، إلا أنه فشل في صياغة نظرية مُوحَّدة ومترابطة عن التطور؛ فقد استنتج مثلاً أن تنوع النباتات والحيوانات البسيطة يرجع فقط إلى عوامل ميكانيكية، في حين يؤدي العامل السيكولوجي والغائي دورًا هامًا في تطور الحيوانات المعقدة وتنوعها، فكأن لكل حياة قانون!. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ذهب «لامارك» إلى أن أي نوع من الأنواع التي تحفل بها الطبيعة لا يمكن أن يتعرض للإبادة الكلية، إذ اعتقد أن الخطة الكونية للخالق لا تسمح بمثل هذه الخسارة، وذلك على الرغم من وجود بيَّنات حفرية تؤكد انقراض العديد من الأنواع.

من جهة ثالثة لم يلق تأكيد «لامارك» على وراثة الصفات المكتسبة قبولاًعامًا من العلماء في عصره أو ممن جاءوا بعده، حيث فشلت التجارب العديدة التي قاموا بها في تأييد هذه الفكرة، بل لقد أكدت هذه التجارب أن إبادة الأجزاء (مثل بتر زيول الفئران أو أية حيوانات أخرى خلال أجيال عديدة)، وكذلك تنشيطها Stimulation تُعطي نتائج سلبية.

مفهوم التطور البيولوجي في اللاماركية والتغير البيئي

والنتيجة ذاتها نحصل عليها بخصوص تغير البيئة؛ فالحيوان قد تتكون به صفات جديدة، ولكن عندما نعيده إلى بيئتة الأصلية لا تبقى هذه التغييرات؛ وتزداد عضلات اللاعب الرياضي في القوة والحجم بالاستعمال المستمر، ولكنها تتقلص إذا ما انقطع اللاعب عن التمرين، ولا تتوارث الأطفال هذه الصفة المكتسبة عن أبيها، وهكذا.

ويرجع عدم توارث الصفات المكتسبة – كما أثبت البحث الجيني الحديث Modern genetic research – إلى أن الكائن الجديد يتكون من الخلايا الجرثومية (التناسليـة) Germ cells لأبيه وأمه، وليس من خلاياهما الجسدية Somatic cells. 

والخلايا الجرثومية في معظم الحالات تُدخر في طور مبكر من النمو، ولا تتعرض لأي تأثير من الخلايا الجسدية أو من البيئة.

أخيرًا عالج «لامارك» منزلة الإنسان في الطبيعة بحذرٍ شديد، لكنه كان أقرب إلى القول بأصولٍ حيوانية للإنسان. 

حقًا أنه شدَّد على العُلو السامي للإنسان على الكائنات الحية الأخرى لتميزه بالعقل، إلا أن الفروق التشريحية الطفيفة بين الإنسان والقِرَدة دفعته إلى التساؤل قائلاً: 

«أوليس من المقبول ظاهريًا أن هذه الفروق قد أكتُسبت تدريجيًا عبر فترات زمنية طويلة؟ يا له من موضوع للتأمل لأولئك الذين لديهم القدرة على الدخول فيه». 

ولقد تجاسر هو نفسه في قسم قصير من كتابه «فلسفة الحيوان» على أن يُجمل تفسيرًا فرضيًا عن كيفية تطور الكائنات الشبيهة بالقِرَدة وتحولها إلى كائنات شبيهة بالإنسان، يمكنها الوقوف منتصبة، واستخدام الآلات، وتطوير مقدرتها الرائعة على الكلام. 

وبهذا التفسير فتح «لامارك» الطريق أمام أكبر صدام في العصر الحديث بين العلم والدين، وهو صدام له مبرراته الفطرية والاعتقادية لدى العامة ورجال الدين، لكنه لم يبلغ أوجه إلا بعد ظهور «الداروينية»، لاسيما بعد أن أصبحت هذه الأقوال البيولوجية التي تُعبر عن الغرور العلمي زريعة لصراعات وانتهاكات سياسية بين المجتمعات والدول كما سيتضح فيما بعد.

خاتمة

يقترب هذا التصور اللاماركي للطبيعة من تصور الكون Universe عند بعض العلماء وفلاسفة العلم في عالمنا المعاصر؛ إذ يُنظر إليه كشجرة ضخمة متفرعة تتسم بالديناميكية، بمعنى أنها تعاني تغيرات متتالية تمثل الحوادث الكونية المختلفة، وإن كان ذلك في إطار الشجرة ذاتها؛ فليست صورة الكون. 

إذن بارمينيدية – نسبة إلى «بارمينيدس» Parmenides (حوالي 544 - 450 ق. م) –  لأن الشجرة تتغير بالفعل، كما أنها ليست هيراقليطية، لأن الشجرة – بخلاف نهر هيراقليطس Heraclitus (حوالي 576 - 480 ق. م) – تبقى هي بعينها طوال التغير المتصل الذي تجتازه.

أنظر صلاح عثمان: شجرة الكون وقضايا مناقضة الواقع عند ستورس مكال، مجلة بحوث كلية الآداب، جامعة المنوفية، العدد التاسع والثلاثون، أكتوبر 1999، ص ص 82 – 127.

تعريف المذهب الحيوي

المذهب الحيوي نزعة مثالية ترد كل مظاهر نشاط الكائن الحي إلى قوة حيويـة Vital force كامنة فيـــه؛ حيث تتسم الظواهر الحيوية بخصائص أساسية لا مثيل لها في الظواهر الكيميائية والفيزيائية. ويرجع هذا المذهب إلى «أفلاطون» و«أرسطو»، اللذين اعتبرا النفس مبدأ الحياة والحركة، وأخذ به رجال القرون الوسطى الذين يردون الحياة إلى قدرة أزلية، في حين عارضه بعض العلماء والفلاسفة من المحدثين والمعاصرين، الذين حاولوا أن يفسروا الظواهر المادية تفسيرًا فيزيائيًا وكيميائيًا.

تُترجم كلمة Mechanism عادة في العربية بالآلية، لكن هذه الترجمة لا تفي في الحقيقة بالمعنى الدقيق الذي يحمله اللفظ الأجنبي؛ فأصل كلمة «آلة» من المصدر آل يئول أي انتهى إلى مآل وإلى نهاية، ومن ثم فالآلية تعني الأوتوماتيكية، أي الحركة الذاتية Automatic. 

أما «الماكينة» – وهو لفظ امتصته العربية من اللاتينية وصار شائع الاستعمال – فتتألف من عدة آليات، أي من عدة حركات آلية تؤدي كل حركة منها إلى الأخرى، ابتداءً من حدث معين، ووصولاً إلى نتيجةٍ ما، مرورًا بعدة خطوات.

ومن هنا جاء استخدامنا لكلمة «ميكانيزم» بدلاً من «آلية» كترجمة أوفي وأدق.