20 نوفمبر 2010؛
كانت الساعة وما زالت أداةً أساسية من أدوات الإنسان – عبر مراحل تطوره الحضاري – لتنظيم نشاطاته اليومية؛ فما منا من أحدٍ إلا وينظر في ساعته من حينٍ إلى آخر على مدار اليوم؛ وما منا من أحدٍ إلا ولديه ذكريات عن أحداث زمكانية مرَّت به أو مرَّ بها؛ وكذلك طموحاتٍ لأحداثٍ أخرى ينتظرها ويسعى جاهدًا إليها. لكن هل يدرك الناس مغزى ارتباط أحداث حياتهم بخط الزمان؟ هل يدركون مغزى نظراتهم في – أو إلى – ساعاتهم التي يزينون بها معاصمهم وحيطان منازلهم ومكاتبهم؟
الحق أنني كلما نظرت في ساعتي انتابني شعور بالفزع والهلع، لا بسبب موعدٍ هامٍ قد فاتني، ولا بسبب لقاءٍ دنيوي أتٍ أترقبه وقد اقترب، وإنما لأنني أرى بعيني حركة الثواني الزمانية المنطلقة دومًا إلى الأمام بلا رجعة، تلك التي سرعان ما تتحول إلى دقائق فساعات، ثم إلى أيام فسنوات، ومن ثم تقتطع دومًا جزءًا من زماني الوجودي فوق سطح الأرض. وكم تمنيت أن تتوقف ساعتي عند لحظةٍ بعينها، أستشعر فيها بهجة الحياة بين كوكبة الأحباب، وكم تمنيت أن تتسارع حركة العقارب في ساعتي أو ترتد إلى الوراء لتطوي حدثًا يؤرقني، أو لتسترجع حدثًا يُسرني، لكن هيهات هيهات، فسهم الزمان يمضي متدفقًا إلى الأمام بنظامه المعهود، يحملني معه إلى أحداث دنيوية أجهلها، ثم إلى لقاءٍ أخروي أقف فيه أمام رب العالمين، ولا أملك إزاءه إلا الدعاء بأن أكون من الناجين!
جميعنا كأفرادٍ على خط الزمان سواء، لكن منا المتقدم ومنا المتأخر، منا المُحسن ومنا المسيء، ينتظرنا جميعًا مصيرٌ واحد، ولقاءٌ واحد، نُسأل فيه عما قدمنا، فمنا الفائز ومنا الخاسر.
جميعنا أيضًا كشعوب وأوطان وحضارات على خط الزمان سواء، لكن منا المتقدم ومنا المتأخر، منا من حرث وزرع، وهو الآن يحصد أو يستبشر بحصاده، ومنا من استلقى على ظهره مستسلمًا لخموله العقلي والمادي، منتظرًا أن يأكل من حصاد الآخرين، أو بالأحرى من فتات موائدهم، فإما أعطوه وإما منعوه. فأين ومتى وكيف أنت يا وطني في تلك اللحظة الهاربة من حاضرك؟ زرعت في صدر الإسلام وحصدت، بل وأكل من حصادك الآخرون، لكنك رُحت بعد ذلك – وإلى الآن – في سُباتٍ عميق، تنتظر حصادهم في خشوع ذليل ... افترشت أرضًا تبكي حضارتها وريادتها وقدسيتها، واكتفيت بحضارة الأسلاف كغطاءٍ بات لا يُجدي نفعًا ... يخطو من فوقك الأخرون من كل حدبٍ وصوب ... يدهسونك بأحذية حضارتهم الثقيلة ... يتأهبون لإعلان وفاتك، إن لم يكونوا قد أعلنوها حقًا فيما بينهم!
ألا توقظك تقلصات وأوجاع الأحشاء بداخلك؟ ألا توقظك الكدمات الدامية التي نقشوها فوق جسدك العليل؟ ألا توقظك صرخات قلب ينبض عل استحياءٍ بصدرك؟ ألا توقظك دقات ساعة مكة وقد باتت أكبر ساعة في العالم، وهي تعلو بآذانها في أشرف بقاعك؟ ألم يأن لك يا وطني أن تصحو من غيبوبتك الطويلة، تنفض غبار الجهالة والتخلف لتعلو هامتك؟ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ).